تدخل المدينة وتنظر الي وجوه العامة، ملامح تلقائية ووشوش طيبة علي طبيعتها، مجموعة من الصبية تلعب الكرة وعندما تسأل أحدهم، لماذا تبدو بهذا الحماس ؟ يجاوبك سريعا" بأنه يريد أن يصبح مثل ميسي، البطل الثاني لاحدي أهم معاقل الحرية في أمريكا اللاتينية.
قي انجلترا يقولون أن روي كين هو تلميذ السير أليكس فيرجسون، بينما في كاتلونيا هناك تشابي هيرنانديز الوريث الشرعي لتركة بيب جوارديولا التدريبية،
أما في الأرجنتين فالجميع يعرف حقيقة واحدة، أن مارتينو تاتا هو الابن المدلل للمعلم الخبير مارسيلو بيلسا، الرجل صاحب النظرة المختلفة في اللعبة التي تعتمد علي اللعب الي الأمام وتسجيل الأهداف الكبيرة، هي استراتيجية تعرف بـ " البيلساليزم " نسبة الي عرابها بيلسا .
حتي وإن لم تشاهد مباريات كثيرة له، ستدرك فوراً" أثناء الحديث مع كل من عمل معه أنه رجل صاحب فلسفة خاصة في كرة القدم، الضغط الغير طبيعي، عدم التقيد بالمراكز، اللعب المباشر والعمودي تجاه المرمي، الحصول علي الكرة، عدم فقدان بوصلة القيادة طوال التسعين دقيقة، إنها مقومات تقودنا إلي معلومة واحدة، تاتا مارتينو قادر علي فعل شيء مختلف مع برشلونة .
تكتيكياً
يمتاز تاتا بمرونة فنية كبيرة، لعب مع الباراجواي في مونديال 2010، كوبا أميركا 2011، بطريقة 4-4-2 في الدفاع التي تتحول الي 4-3-3 في الهجوم، بوجود مهاجم صريح في العمق مع لاعب علي الطرف ومهاجم ثاني يتحول الي جناح، فعلها مع نيلسون فالديز وروكي سانتا كروز .
أداء دفاعي صلب، تضييق المساحات في منطقة الوسط، انتشار مميز علي الأطراف، فريق لا يدخل في مرماه أهداف كثيرة، يجيد في المباريات الكبيرة، يبدأ هجومه عن طريق لاعب الارتكاز الدفاعي الذي يحول الكرة الي لاعبي الوسط ومنهم الي الهجوم .
علي مستوي الأندية مع نيولز أولد بويز، لعب بطريقة 4-1-4-1، وهي من سنشرحها بالرسم الان، لأنها الخطة الأقرب للتطبيق مع برشلونة .
هنا رسم توضيحي لطريقة 4-1-4-1، رباعي دفاعي، مع لاعب ارتكاز " بوسكيتس " Deep Holding يكون مع الثنائي " الظهير والمدافع " ثلاثية تعرف بـ Defensive Third أو المثلث الدفاعي .
امامه رباعي، ثنائي يلعب في الوسط " تشابي وانيستا " مع ثنائي اخر علي الأطراف " سانشيز ونيمار "، ولاعب وحيد في الأمام يلعب كمهاجم صريح أو مهاجم وهمي، في كل الأحوال يمتاز بمهارة وتحرك دائم . " ميسي "
في حالة الدفاع، تتحول الخطة الي 4-5-1، بعودة ثنائي الوسط الي لاعب الارتكاز، وتحول الأجنحة الي خط المنتصف، يدافع الفريق بـ تسع لاعبين مع حارس مرمي بالاضافة الي وقوف المهاجم في نصف الملعب .
في حالة الهجوم، تتحول الخطة الي 4-3-3، بضم لاعب الارتكاز الدفاعي الي ثنائي الوسط ليصبح محور متكامل Complete Pivot، مع تحول لاعبي الوسط علي الأطراف الي أجنحة صريحة تتوغل من الطرف الي العمق Inverted Winger مع زيادة المهاجم في منطقة عمليات المنافس .
علي الورق، الفريق يلعب بخطة واحدة لكن في الملعب تتحول الأمور الي 3 خطط وممكن 4، تلك هي كرة القدم الحديثة، منتهي الاختلاف !
نأتي الي التيكي_تاكا
التيكي تاكا عبارة عن مجموعة لا نهائية من التمريرات الدقيقة والصحيحة التي تقودك الي السيطرة علي خط الوسط والاستحواذ الايجابي أمام المرمي، هي طريقة خاصة ببرشلونة والمنتخب الأسباني في بعض الفترات .
في يورو 2008، لعبت أسبانيا بالتيكي تاكا مع أراجونيس وحينما جاء بيب جوارديولا، نجح في اضافة لمسة خاصة الي الطريقة وجعلها العلامة الأهم في كرة القدم بخط وسط ناري وهجوم سريع ومتنوع .
هل أسلوب لعب تاتا مارتينو يضمن الحفاظ علي التيكي تاكا ؟
أولاً، طريقة وتقاليد برشلونة تُجبر أي مدرب علي اللعب بالأسلوب الهجومي واللعب الي الأمام بالاضافة الي أن الرجل من الأساس يعشق اللعب المباشر السريع والضغط الغير طبيعي والاستحواذ علي الكرة، هو مزيج من هجوم بيلسا وضغط لويس فان جال وتنوع أداء جوارديولا .
هل الفريق في حاجة الي مهاجم صريح من أجل تطبيق مهام تاتا ؟
الاجابة سهلة وبسيطة، بأن كرة القدم لا تعترف بالمسميات أو الاسماء، مارتينو في الأرجنتين وضع لاعب وسط مهاجم في مركز الهجوم " سوكوكو " ليصبح الهداف الأول للفريق .
ميسي سيلعب كرأس حربة وهمي كالعادة، لكن مع تاتا ستصبح هناك مرونة تكتيكية. في بعض المباريات من الممكن أن يحدث تنوع في تركيبة الهجوم، ميسي ونيمار علي الأطراف وسانشيز في العمق، ليست المشكلة في المراكز بل في الانسجام والتناغم .
اوبالتالي لا خوف علي التيكي تاكا أو مركز ميسي التهديفي في الفريق .
هل هناك مدرب لا يوجد به سلبيات ؟ بكل تأكيد مستحيل،
تاتا لا يعترف بالخطة البديلة، حينما يتأخر في النتيجة أمام الفرق الدفاعية، يعتمد علي مجموعة تغييرات أثناء المباراة لكنه لا يلعب بطريقة أخري. هي فكرة تتفق مع مباديء بيلسا وعقلية جوارديولا،
الفريق الناجح لا يحتاج الي خطة بديلة، فقط مجموعة من التعديلات علي النموذج الرئيسي، كرة القدم ليست لعبة أرقام فقط، من الممكن ألا يفوز الفريق الأفضل بالمباراة، الغاية تكمن في العملية لا النتائج.
الفرق التي دربها مارتينو تخسر دوماً في المحطات الأخيرة، النيولز أولد بويز عاني كثيراً في مباريات الدوري النهائية بالاضافة الي الكوبا ليبرتادوريس، كذلك خسرت الباراجواي بالثلاثة من أوروجواي في نهائي الكوبا أميركا. السبب هو كثرة التدريبات وتنوع الخطط والتكتيكات التي يتبعها تاتا وبالتالي تشكل عبء علي اللاعبين .
المدرب عليه تحدي كبير في رفع اللياقة البدنية لمعظم لاعبي الفريق، البارسا عاني من تلك السلبية خلال العام الماضي مع فيلانوفا، وهذا هو المعترك الأول الذي سيخوضه الجهاز الفني الجديد مع تسريع نسق الأداء وزيادة اللعب المباشر تجاه المرمي بدلاً من كثرة التمريرات العرضية بلا فائدة .
أختم موضوعي بسرد بعض ما قاله الرجل في مقابلة سابقة مع صحيفة ماركا الأسبانية يوم 4 يونيو الماضي، أكد تاتا فيها اعجابه الشديد بجوارديولا وبيلسا في نظرتهم الي اللعبة مع متابعته لعمل هاينكس وكلوب خلال الموسم الماضي.
مارتينو أوضح أن انخفاض مستوي كرة القدم في بلاده خلال السنوات الماضية بسبب اعتماد الفرق أكثر علي اللعب العنيف، تمني لو طبق الجميع نموذج وأسلوب بيب جوارديولا في اللعب. يحترم الكرة ويلعب بضغط عالي مع استحواذ ايجابي، بالاضافة الي متعة بيلسا في اللعب المباشر الفعال السريع.
شدد علي أهمية التوازن في التكتيك، لا الهجوم بدون تغطية ولا الدفاع الممل، الاتفاق مع أمال ومطالب الجماهير هو الغاية في نهاية الأمر. سأله الصحفي عن امكانية التدريب في أوروبا، أجاب جيراردو بأن هناك عدة عروض من أكثر من نادي أسباني وأوروبي الا أنه لا يفضل الذهاب الان الي القارة العجوز.
قال تلك العبارة وهو لا يعلم أن المستقبل القريب سيقوده الي تدريب واحد من أشهر أندية أوروبا والعالم، برشلونة. انها كرة القدم وسرها الباتع!
"النتيجة النهائية ليست كل شيء، كرة القدم أكبر من ذلك، من الممكن أن يقول البعض أنك فزت بنتيجة 2-1 وقدمت عرض سيء، بينما يقنعك الاخرون بأن المباراة كانت عظيمة، اهانة الجماليات أصبحت عنوان البعض ! عبارات بسيطة تحمل في طياتها الكثير والكثير من المعاني، تقودنا الي نهاية واحدة، أن هذا الرجل من الممكن أن ينجح مع برشلونة " .
كانت تلك الكلمات هي اخر ما سنتحدث به اليوم عن مدربنا الجديد تاتا مارتينو مع التمنيات بنجاحه وتفوقه مع #برشلونة .